في أوقات القلق العميق التي تعصف بنا، يكون من الصعب جدا علينا التفريق بين ما هو طبيعي وما يتطلب تدخلا طبيا، تبدأ رحلة التشخيص في العادة عند زيارة الطبيب العام، حيث يمكنه أن يساعدك على التأكد مما إذا كانت الأعراض التي تعاني منها، ناتجة عن أسباب جسدية، فاضطراب النوم، وتسارع دقات القلب، والاحساس بالدوخة، ليس له دائما أساب حسدية، بل قد تكون عبارة عن علامات على وجود اختلال نفسي ناتج عن القلق.
متى تزور الإخصائي النفسي؟
عندما يصبح القلق صعبا، ويشرع في التأثير على جودة الحياة، فإنه من الأفضل التوجه على الفور إلى إخصائي الصحة النفسية. لأن الطبيب النفسي يمتلك القدرات والمعرفة ليتعمق في الأفكار و المشاعر، وكذلك لتشخيص اضطراب القلق بشكل دقيق، كما يمكنه دائما اقتراح أفضل العلاجات والانسب منها، سواء كان خذا العلاج نفسيا، أو عبر تناول جرعات الدواء، أو مزيجا من الطريقتين، وفي أغلب الاحيان ما يكون العلاج السلوكي المعرفي هو الخيار الأفضل، لأنه يساعد الاشخاص على فهم أنماط التفكير السلبية، ويعمل على تطوير خطط فعالة قصد التعامل معها، ومما يعيد للناس قدرة السيطرة على حياتهم تدريجيا.
المعايير العلمية الدقيقة لتشخيص اضطراب القلق
إن طريقة التشخيص لا تعتمد فقط، على ملاحظة الاخصائي النفسي على الأعراض الظاهرة على الشخص المعالج، بل تشمل كذلك جلسات تقييم النفسي والعمل على مقارنة حالة الشخص بالمعايير العلمية المحددة في دليل DSM-5. في أحيان كثيرة لا يصاب الشخص بالقلق بمفرده، بل يرافقه الاكتئاب، أو الإدمان بمواد معينة، مما يجعل القدرة على التشخيص معقدة، مما يحتاج معه إلى إخصائي متمرس لاكتشاف الصورة الكاملة.
العلاج النفسي والأدوية: أفضل طرق علاج اضطراب القلق
حين الانتقال الى مرحلة العلاج،هناك خيارات متعددة، فالعلاج بالكلام لا يعتبر مجرد حديث عابر، بل هو تواصل عميق مع معالج يفهمك دون أن يحكم عليك، قد يساعدك بتاأكيد على إعادة ترتيب فوضى أفكارك، وأن تستعد تدريجيا هدوئك الداخلي.
أما بالنسبة للأدوية، فهي لا تعني بتاتا أنك أصبحت ضعفا أو فاشلا، بل هو وسيلة طبية معتمدة تخفف من شدة الأعراض، وتمنحك القدرة على خوض رحلة التعافي بثقة أكبر، وتتنوع هذه الادوية حيث يصف الطبيب مضادات اكتئاب أحيانا لتخفف القلق، وأحيانا أخرى يستعمل أدوية مهدئة لفترة قصيرة، بحسب حاجتك إليها وظروفك.
أهمية نمط الحياة الصحي في تخفيف أعراض القلق
أسلوب الحياة لا يمكن بتاتا تجاهله كعامل أساسي في التخفيف من اضطراب القلق. فالمشي اليومي، حتى لو كان عبارة عن نزهة قصيرة في الهواء الطلق، له تأثير يشبه السحر في تحسين المزاج، كما أن النوم الكافي يعتبر من الضروريات، بل هو أساسي للعقل والجسد معا. وبالتالي الابتعاد عن المخدرات والتدخين،والكحول والكافيين، قد يبدو أنه صعب في بداية التعافي، لكنه لا شك قرار سينقذك من دوامة القلق المستمر، أما التأمل والتنفس العميق وممارسة اليوغا، أدوات فعالة تساعدك على استعادة توازنك النفسي تدريجيا.
العلاجات البديلة والدعم النفسي
هناك مكملات عشبية يروج لها كعلاج للقلق، لكن فعاليتها غير مؤكدة، وقد تتداخل دائما مع الأدوية الأخرى، لهذا يجب استشارة الطبيب قبل استعمالها، في المقابل، يجب إعطاء الاهمية للدعم النفسي، فالحديث إلى صديق و المشاركة في مجموعة للدعم، بالاضافة الى كتابة مشاعرك على الورق، قد يكون من الخطوات الاولى للشفاء، لأن الشعور بأنك لست وحدك في هذه المعركة يمنحك قوة لا توصف.
كيف تجعل زيارات الطبيب فعالة؟
حاول أن تكون صادقا مع نفسك، قبل موعدك مع الطبيب النفسي، حاول أن تكتب ما تشعر به، وفي أي وقت بدأت هذه الأعراض تحدث، وما هي الأحداث التي قد تكون أثرت فيك، كما قم بالتفكير في الأسئلة التي ترغب في طرحها على الطبيب، على سبيل المثال: ما الاسباب المحتملة في قلقي؟ هل أحتاج إلى علاج طويل؟ وماهي الطرق الموجدة التي يمكن أن تساعدني ويمكنني تطبيقها في المنزل؟ كل هذه التحضيرات ستجعل اللقاء مع الطبيب أكثر فاعلية وفائدة.
خاتمة: أنت لست وحدك في رحلة الشفاء من القلق
في الختام، تذكر دائما أن اضطراب القلق لا يقلل من قيمتك ولا يعرك، فقط هو تجربة إنسانية صعبة، لكنها لحسن الحظ قابلة للعلاج والتجاوز، لما تطلب المساعدة، فأنت لا تظهر ضعفا، بل أظهر الشجاعة. أنت دائما تستحق أن تعيش بطمأنينة، وتستحق أن تتعافى، لا تتردد، فالخطوة الأولى نحو الراحة تبدأ من قرارك بالبحث عن الأمان الداخلي.
المــــــــراجــــع:
منشور في: Middle East Current Psychiatry.
الرابط: https://mecp.springeropen.com/articles/10.1186/s43045-020-00029-w
منشور في مجلة Allure
Anxiety Disorder 101: Symptoms, Diagnosis, and Treatment | Allure
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2959081/ (دراسة 2010)
- Complementary Medicine, Exercise, Meditation, Diet, and Lifestyle Modification for Anxiety Disorders: A Review of Current Evidence.
نُشر في: PubMed Central.