هل علاقة الحب تتأثر بالإهمال العاطفي في الطفولة؟

   

علاقة الحب، الاهمال العاطفي في الطفولة

   تروي إحدى السيدات "عندما رزقت بطفلتي الأولى، كنت عازمة على أن أكون أماً رائعة. كنت أعرف جيداً القيم التي أريد غرسها في نفسها وعلاقة الحب والود التي حلمت بتأسيسها معها. لكن ما لم أدركه في ذلك الوقت، أن كوني أماً رائعة كان مرتبطاً أكثر بما يدور بداخلي أنا، وليس بسلوك طفلتي".

ذكريات الطفولة والإهمال غير المقصود

   تظيف هذه السيدة "لدي ذكرى واضحة مع ابنتي ذات الـ 18 شهراً في منطقة ألعاب مغلقة. اقترب وقت المغادرة، فأعطيتها إنذاراً بخمس دقائق، ثم إنذارا بدقيقتين. عندما أخبرتها بأن الوقت حان للرحيل، بدأت في البكاء. لم تكن تثور غضباً، بل كانت تجلس في مكان اللعب وحسب، باكية. رد فعلي كان أن ضممت ذراعي، وأعرضت عنها، ورفضت التواصل معها أو النظر في عينيها حتى تتوقف عن البكاء. عندما توقفت، عدت للاقتراب منها، لتبدأ في البكاء مرة أخرى. فابتعدت مرة أخرى. تكرر هذا المشهد ثلاث مرات. لم أحتضنها إلا بعد أن توقفت عن البكاء ولم تستأنفه عندما حملتها.

   في ذلك الوقت، كنت فخورة بتصرفي. ظننت أنني أعلمها الاحترام وكيفية الاستماع جيداً. لم أرد تربية طفل يعتقد أنه من المقبول أن يثور غضباً. لكن بعد عام ونصف، أدركت فجأة ما علمتها إياه حقاً في تلك اللحظة. لقد أوصلت لها رسالة بأنها لا يمكنها أن تعتمد عليّ دائما لوجودي بجانبها في اللحظات التي تشعر فيها بالضيق. كنت أطلب منها أن تتصرف وتشعر بطريقة معينة حتى أكون متاحة لها. ما عرضتها له في تلك اللحظة كان إهمالاً عاطفيا".

ما هو الإهمال العاطفي في الطفولة؟

   تعرف الصدمة التطورية في الطفولة على أنها أحداث مرهقة تتكرر وتتراكم بمرور الوقت، في سياق العلاقات الأساسية للطفل، مما يؤدي إلى عواقب سلبية على نموه. يمكن أن تشمل هذه الأحداث الإيذاء الجسدي أو العاطفي، أو الإهمال.

   أما الإهمال العاطفي في الطفولة، فهو جانب غالباً ما يتم تجاهله. يعرف الإهمال العاطفي على أنه فشل الوالدين في الاستجابة بشكل كافٍ لاحتياجات الطفل العاطفية. إنه عكس الإساءة والمعاملة السيئة. فبينما تمثل الإساءة أفعالا إيجابية من الوالدين، فإن الإهمال العاطفي هو فشل في الفعل. إنه فشل في ملاحظة مشاعر الطفل أو الاهتمام بها أو الاستجابة لها بشكل مناسب. لأنه فعل حذف، فهو غير مرئي ولا يلاحظ ولا يذكر. الإهمال العاطفي هو المساحة الفارغة في صورة العائلة؛ الخلفية وليس المقدمة. إنه خبيث ويتم التغاضي عنه بينما يحدث ضرره الصامت في حياة الناس.

  قد تكنين أما محبة، لكن قد تكون لديك نقطة عمياء كبيرة عندما يتعلق الأمر بمشاعر طفلك. من المهم جدا أن ندرك أنه من الممكن أن ينشأ المرء في منزل يملؤه الحب، ومع ذلك يعاني من الإهمال العاطفي.

أمثلة شائعة على الإهمال العاطفي في الطفولة

علاقة الحب

  •  كنت لا تعرف الحالة المزاجية لوالديك عند عودتك من المدرسة، فتعلمت بسرعة أن تشعر "بطاقة" المنزل وتشعر أنك تسير على قشر البيض.
  • كانت احتياجاتك الأساسية من مأكل وملبس ملباة، لكن فيما عدا ذلك، كنت وحيدا.
  • كلما أظهرت مشاعر قوية (غضب، حزن، فرح)، وُصفت بأنك حساس جداً، درامي، أو تم تجاهلك. إذا كنت ولداً، تكون الرسالة الأكبر: "الأولاد لا يبكون". مع الوقت، تتوقف عن طلب الدعم العاطفي.
  • كنت تعرف أن الرد على والديك عندما يكونان منزعجين، حتى لو كانا مخطئين، سيعرضك للمشكلة، فتعلمت أن تقف صامتا وتتحمل.
  • كلمات الثناء ("أنا فخور بك"، "أحبك") أو أي نقاش حول المشاعر كان غائبا تماما.

آثار الإهمال العاطفي في الطفولة على علاقات الحب في الكبر

يترك الإهمال العاطفي المزمن في الطفولة بصماته العميقة على حياة البالغين، وخاصة على علاقات الحب والصداقة. إليك بعض الآثار الشائعة:

1. مشاعر الخزي والعار الدفينة

   يفسر الطفل الأحداث من خلال عدسة الذات. الإهمال يقول للطفل: "هناك خطأ ما في كأنت". يحمل الطفل هذه الرسائل السلبية كانعكاس لهويته. يستمر هذا الخزي العميق في علاقات الحب البالغة، فيشعر الشخص بأنه "ليس جيداً بما يكفي"، مما يؤدي إلى الشك الذاتي والنقد الذاتي.

2. صعوبة تنظيم المشاعر

   النشأة في بيئة فيها صدمة تعني أن لا شيء آمن. يحمل الجسد ندوب تلك الصدمات، كما يقول بيسل فان دير كولك في كتابه "الجسد يدفع الثمن". يمكن أن تظهر هذه الصعوبة في علاقة الحب على شكل تقلبات مزاجية حادة، غضب انفجاري، أو على العكس، انفصال عن المشاعر وصعوبة في الشعور بأي شيء.

3. اليقظة المفرطة والحاجة الملحة للأمان

   التركيز في الصغر ينصب على البقاء آمناً، وليس على تطوير الذات. إذا تلقيت في طفولتك رسالة "لست جيداً بما يكفي"، فستصبح هذه هي العدسة التي ترى من خلالها كل علاقاتك. في أي نزاع في علاقة الحب، يطفو هذا الموضوع الجريح على السطح، مما قد يظهر كسلوك دفاعي أو انهيار عاطفي.

الشفاء من الإهمال العاطفي: رحلة لاستعادة الذات

الحب

عندما أدركت الرسائل التي كنت أوصلها لابنتي، تحطمت. لكن ما فعلته بهذا الإدراك هو ما فرق بين البقاء في مكاني أو المضي قدماً. انغمست في رحلة لفهم ما بداخلي وطلبت المساعدة من معالجين متخصصين.

بالإضافة إلى العلاج، إليك خطوات للبدء في رحلة الشفاء:

  • لاحظ مشاعرك: كن فضولياً تجاه ما تشعر به. استخدم "دائرة المشاعر" لتوسيع مفرداتك العاطفية. إذا كان ذلك صعباً، لاحظ أحاسيس جسدك (تنفس، توتر عضلي) كمدخل لفهم مشاعرك.
  • اصرح بمشاعرك: لا يكفي الملاحظة. أخبر نفسك أن ما تشعر به طبيعي ومقبول. لا تتسرع في حل المشكلة، بل امكث مع مشاعرك واعترف بها.
  • الاهتمام بالذات: كان ما تشعر وتحتاجه غير مُلحٍ في الصغر، حان الوقت لجعله أولوية. امنح نفسك ما كانت تفتقده.
  • تحديد الحدود الشخصية: يجد من عانى من الإهمال العاطفي صعوبة في الدفاع عن نفسه. ابدأ بممارسة وضع الحدود مع نفسك أولاً: خصص وقتاً للراحة ولا تتعدى على هذا الحد. تعلم أن تقول "لا" بلطف وحزم.

من الممكن تغيير السردية التي حملتها من طفولتك. من الممكن ملء الفراغ الداخلي وإيجاد توازنك الفريد. القيام بهذا العمل لا يفيدك وحدك، بل له تأثير إيجابي يمتد لأجيال قادمة، حيث تبني علاقة حب صحية مع أطفالك، خالية من الإهمال العاطفي.

تعليقات