"يجب أن يُرى الأطفال لا أن يُسمعوا".. مقولة قديمة عفا عليها الزمن، لكنها ما زالت تسيطر على عقول كثير من الآباء حتى اليوم. فكيف تتعامل عندما يكون طفلك صاحب شخصية قوية، يصر على أن يكون له صوت مسموع، حتى لو اضطر إلى رفع صوته أو الجدال؟ هل هذا الطفل عنيد بالفعل؟ أم أنه ببساطة يطالب بحقه الطبيعي في أن يكون موجودًا ومحترمًا؟
غالبًا ما يُساء فهم الطفل صاحب الشخصية القوية فيُوصف بالعناد، لكن الحقيقة مختلفة تمامًا. هذا النوع من الأطفال ليس مشكلة يجب حلها، بل هو كنز يحتاج إلى صقل. إنه طفل يمتلك إرادة صلبة، وشخصية مؤثرة، وحاجة داخلية للتعبير عن ذاته وآرائه.
هل الشخصية القوية مرادفة للعناد؟
في إحدى النقاشات حول تربية الأطفال، انتقد البعض منهج مونتيسوري بحجة أنه ينتج أطفالًا يكثرون الجدال ويصرون على الاستقلالية. لكن أليس هذا بالضبط ما نطمح إليه؟ أن نربي أطفالًا واثقين بأنفسهم، قادرين على التعبير عن آرائهم بلا خوف، وشجعان بما يكفي لقول "لا" عندما يقتضي الموقف؟
نعم، الطفل المطيع يبدو أسهل في التعامل اليومي، لكن هذا لا يعني أن الطفل المعبر عن نفسه بحرية هو طفل "صعب". الطفل ذو الشخصية القوية يمتلك مزايا رائعة، وإذا تم توجيهه بشكل صحيح، سيكبر ليصبح بالغًا ناجحًا، حازمًا، وصاحب إرادة قوية.
لاحظ الفرق بين الكلمات التي نستخدمها للأطفال: "عنيد، متمرد، صعب"، وتلك التي نطلقها على البالغين الناجحين: "حازم، مثابر، صاحب إرادة". إنها نفس الصفات، لكن بإطار مختلف.
الطفل ذو الشخصية القوية يحتاج إلى التوجيه لا الكسر
الطفل صاحب الشخصية القوية لا يحتاج إلى كسر إرادته أو إسكات صوته، بل إلى من يوجه طاقته بشكل إيجابي. يحتاج إلى مساعدتك لفهم مشاعره، وضبط ردود أفعاله، وتوجيه طاقته نحو الإبداع بدلًا من الصراع.
يطلق علماء النفس على هذه المهارة اسم "الوظائف التنفيذية المعرفية"، وهي أساسية لبناء شخصية متزنة. وقد أدركت ماريا مونتيسوري أهمية هذه المهارات مبكرًا، فصممت منهجها لتعزيز التحكم الذاتي واتخاذ القرار منذ الطفولة.
إذا كان طفلك عنيدًا.. لا تقلق!
إذا كنت تربي طفلًا يعبر عن رأيه بحدة، ويصر على مواقفه، فخذ نفسًا عميقًا وابتسم. هذه ليست أزمة، بل فرصة ذهبية لتنشئة إنسان قوي الشخصية، مستقل، وواثق من نفسه. كل ما يحتاجه طفلك هو دعمك، وفهمك، وإرشادك الهادئ، وليس قمعه أو توبيخه.
- 10 نصائح عملية للتعامل مع طفل ذي شخصية قوية
1. هيئ نفسك أولاً: تحكم في انفعالاتك. لا تترك الغضب أو الإحباط يوجه ردود فعلك. طفلك يتعلم منك كيفية إدارة العواطف.
2. امنحه خيارات: حتى في الأمور البسيطة: دعه يختار ملابسه، أو طعامه المفضل، أو النشاط الذي يفضله. هذا يعزز ثقته بنفسه ويشعره بالتقدير.
3. تجنب صراعات القوة: هدفك ليس الفوز في الجدال، بل تعليم طفلك. اشرح له أسباب قراراتك وحدودك بطريقة هادئة.
4. ضع حدودًا واضحة: بعض القواعد غير قابلة للمساومة، خاصة تلك المتعلقة بالسلامة والصحة. لكن حتى هذه يمكن شرحها بلطف مع التعاطف مع مشاعره.
5. علمه التفاوض والمرونة: دربه على إيجاد حلول وسط، وأن يكون مرنًا في بعض المواقف، ليشعر بأنه شريك في القرار.
6. استمع إليه باهتمام: الطفل الذي لا يشعر بأنه مسموع، لن يستمع إليك. احترم رأيه وافتح له مجالًا للتعبير.
7. أشعره بأنك تفهمه: اهتم باهتماماته، اسأله عن يومه، وابني معه حوارًا دافئًا. الطفل الذي يشعر بالتقدير يكون أكثر تعاونًا.
8. اسمح له بارتكاب الأخطاء: الخطأ جزء من التعلم. لا تعاقبه بقسوة، بل ساعده على استخلاص الدروس من تجاربه.
9. اعترف بأخطائك: لا تتردد في قول "آسف" عندما تخطئ. هذا يعلمه التواضع والمسؤولية.
10. استثمر في علاقتك به: الطفل ذو الشخصية القوية غالبًا ما يكون حساسًا وعاطفيًا. خصص وقتًا للعب معه، والضحك، والحوار المفتوح.
خلاصة الأمر
الطفل العنيد ليس مشكلة، بل مشروع إنسان ناجح يحتاج إلى توجيه حكيم. كن مرآته التي يرى فيها أفضل صفاته، وقدوته في التعامل مع الحياة. لا تخف من قوة شخصيته، بل احتضنها وساعده على توجيهها بشكل إيجابي. طفلك لا يريد السيطرة، بل يريد ببساطة أن يشعر بأنه مسموع، محترم، وله مكانته الخاصة في عالمك.